السبت، 26 يوليو 2008

يوسف



خطوة واحدة تعلن الفرق في هذا الزمان الردئ، خطوة واحدة أعلنت مصيره، يوسف النبي ويوسف الإنسان العادي الذي خرج ذات يوم إلى رحم الحياة بما يشبه الهزيمة....
- قرار أبيك، إما الطلاق وإما الولد فاختار يوسف أن يجئ فكنت أنت.
هذا ما أخبرتني به أمي، لماذا يا يوسف؟ أيها الرائع الذي اختار القرارات الأكثر جدلا وصعوبة. كنا نقف معا في ذلك الزقاق، المح في عينيك تفاصيل وجهها وشوقا عارما، المح في عينيك كل شيء فاركن إلى الهدوء واختار الهوامش البعيدة، لكنك اخترت هذا أيضا. - أنت تحبها
هكذا كنت صارما لا تقبل الجدل أو المساومة وخلال أيام كنت تقودني إلي بيتها، قلت لهم : لكم ما تريدون .
لماذا وقفت دائما في شمس القرار والتزمت صمتا رهيبا إزاء كل ما يتعلق بك ؟ لماذا ؟ - ليس لنا سواك يا يوسف.
قالت أمي، فكنت لنا ولم تكن لنفسك، كنت لنا دائما فلماذا الآن تعلن الرحيل ؟ خطوة واحدة.. هكذا كنت دائما لا تقبل المساومة على أي شيء.
كنا نقف أمام الجدار، أخذوا كل الشباب وكنت أكثرنا صرامة، قلت بنظرة واحدة انتم رجال فكنا كذلك، كان الجندي يكرهك بطريقة لم يعها، أحسبه كان يعرف انك يوسف.

التفت إلي، أخذني وطرحني أرضا، رأيت عرقا في عنقك يكاد ينفجر، قبضتك كادت تتحول إلى انفجار لولا أن امسك بك رفيقي، كنت اعرف انك لن تتوقف عن الاختيار، خطوة واحدة .. قال الجندي :- ستقتلون جميعا إن لم يخرج من بينكم يوسف.
لماذا يجب أن نختار دائما القرارات الأشد صعوبة، تدفق الدم من فمي وانفي، فتقدمت خطوة واحدة أطاحت بالكون من حولي، أمسكت بذراعه وطوحته بالهواء، كنا نعرف جميعا انك قوي لكنك كنت شرسا بصورة لا تصدق، باغتهم جميعا حتى أن لحظات الذهول وحدها رحمتنا جميعا من حمام رصاص. أنهضتني، قلت لي : اعتن بأمي ولا تنس. ومضيت معهم.
لا تنس، صوتك ما يزال يثير هذا الكون من حولي، أنفاسك تعلن خياراتي كلها، خطوة واحدة زلزلت الدنيا، وبقيت أكثرنا وجودا رغم هذه القتامة، هاهو الأفق الرمادي يتحول إلى صحراء وما زلت اسمع قرارك الأخير حادا، وأكثر وجودا من جسدي على هذه الأرض.
- لا تنس.

ليست هناك تعليقات: