الخميس، 30 أكتوبر 2008

لقاء ....



- من أي نبع قصيِّ أتتكَ الكلمات لترسمني سحابة ثم تطلقني في الزرقة الغادرة ...وتمضي ؟
- هذه كفي اقرئيها
- الطين لا يلقي بالا لومض العيون الباحثة عن ظل لها
تداعت الكلمات حولنا، مدت رأسها تحاول النظر لكنها وقعت فوق بعضها البعض...كالزواحف المقتولة، كنتَ لا تراني... وعيوني تبحثان عنك...
- ماذا تشربان ؟
قال النادل ورحل مذعورا، كاد يقسم أن على الطاولة ظل نسرين ومطر تفجرت دماؤه، لولا أن صاحب المطعم صرخ في وجهه (انزل الطلبات كفاك ثرثرة)
مال رأسك المتعب يستند إلى الفراغ فأخذته بين ذراعي، وكنت تصغي لثرثرة النهد في ذبوله الأخير حين فاجأتك بيدي الممدودة لتحية الانصراف، لكن الكلمات صعدت على أقدامنا كجيوش نمل حمراء... لمحتك تحاول عبثا أن تبعدها، لكنها وصلت لشفاهنا، رأيتها تحاول العبور إلى الرئتين، كنا شفافين كالماء المسفوح في الصحراء
- هو سراب...يا ح ب ي ب ت ي
ماتت الكلمة لكني رأيتها تشبه بقايا بلل اغتالته الشمس الحارقة... لتكف تجاعيد الثوب عن تلوين نظرات الآخرين لك، الحرف الأخير تعلق في إصبع الهواء كيد طفل حديث الولادة
- تعبرين الجسور كالطيف...
- سنموت أن لم نحلم.
صمتنا ثانية... كفت جيوش النمل عن افتراس الفراغات المحكمة في الجدار الماثل أمامنا..أمد أصابعي إلى دفترنا المسفوح عليه ظل الروح وتاريخ النطفة ... أمد يدي لأغلقه لكنك تحفظ الكلمات عن ظهر قلب...
أخاف من عينيك فاهرب... عجوز يتعثر في كلماتك التي نثرتها نظراتي المذعورة ... لكنه لا ينتبه يظن أن عكازه لم يعد مخلصا له كما يجب... أعود إليك ..
- الحب مرض...
- لا تودين أن تسمعي الشعر هذا اليوم ؟
- ........
مثلوم نصل الكلمات هذا اليوم فقلبي تمزقه نية السيف وتبعثره مسافات الحنين الفارغة ...
- دعيني أقبل يدك...
انظر وأصاب بالفزع .. أين يدي ؟؟ أنظر ثانية شفتيك غابت ! قال النادل :
- تفضلا...
في كأسي كانت هناك قبلة تطفو ميته... وفي كأسك كانت هناك يد مقطوعة...لكنك شربت العصير مغمض العينين ففعلت مثلك
- ......
- ......
من منا كان بلا صوتين ؟؟ من منا سيمضي قبلا... قال النادل ثانية : شيء آخر ؟
قلتَ : قهوة
قلتُ : سوداء بلا سكر أو حليب....
على شفتيك كان السكر ينحني بضجر مريب، راقبتني أحرك قهوتي ليذوب فيها بعض من شفتيك، راقبتك تأخذ مرارة من قلبي وتحلي بها قهوتك...
- القاتل والقتيل؟؟
- الموتى لا يبعثون قبل أوانهم ...
- سيذهبون إلى عماء الحكايات القديمة...
لمحت الكلمات أخيرا تركن للهدوء، تجلس قربنا، ننهي احتساء القهوة وننصرف، كنت قربي وكنت أرى ظل عناق مقتول على الرصيف...
- لم يأت حديثنا بجديد...
- كنا نجتر الذكريات ؟؟
- هو اللقاء الأخير .......!
كنت أراقبك وكلماتك تقفز حولي، قصيدتك ترقص في قلبي المذبوح رقصة جنائزية، لكنها فاتنة في ثوبها الأسود.. هل ستنهي الرقصة جالسة أم ممددة كالضحية ؟؟
وصلنا إلى سيارتي قلت لي (...........) ماذا قلت لي ؟؟ لقد نسيت لكني أذكر أنك ربما صفعت الهواء بقرب روحي ومضيت...
قدت سيارتي قرب ظلك ولم ترني وأنا أعبر آلاف الجسور الميتة أطل منها على ملايين الكلمات التي تنتظر دورها جورا أمام مقصلة أنشأتها قلوب لا تعرفنا ...لكنها تحنو على طريقنا العادي الطويل...

ليست هناك تعليقات: